السَّلام عليكم و رحمة الله و بركاته
السْلآمُ عَليْكُم وَرحمَةُ اللهِ وَبركَاتُه ~
وَهجُ بِدء
~ سَتطيبُ دُنيَا المُؤمِنينَ مُقَامــا
مَا دَامَ يَسْمو فِي الحَياةِ حَيـَـاءُ
خُلقٌ غدى لّلمُسْلِمينَ وِسَامَـــا
نُورٌ يُضيءُ وجوهَهُم وضيــــاءُ...
***
مِن أعْظمِ وَ أجلِّ نِعمِ اللهِ-تعالى- علَى عَبْدِهِ:
الإِيمَآنُ.
وَ قَدْ جعل اللهُ-عَزَّ وَ جَلَّ- الإِيمَآنَ شُعباً تَزيدُ مِنْ إيمآنِ المُؤمِنِ بِفعلها ، وَتَنْقُصُ مِن إيمانه بِترْكِهَا.
وَ مِنْ شُعبِ الإِيمَآن التي حثَّ عليهآ الشَّرْعُ ، وّبيَّنَ فضِيلتَهَا: شُعْبَةُ الحَيَاءِ.
***
مَعنى الحَيَاءِ:-
مُجآهدَةُ النَّفْسِ لـِ/حبس اضْطرآبٍ سَآدَهَا،
سَبَبُهُ: وَصفُ هَذهِ النَّفْسِ بِصفةٍ ذَمِيمَةٍ أَوْ نآقِصَةٍ.
فَالصِفَّةُ الذَّمِيمَةُ أَوِ النَّآقِصَةُ إذآ أتُّصِفَ بِهَا المَرْءُ؛اضْطربَتْ نَفْسُهُ لِكَرَاهتِها،فَيُجآهدُ لِحَبْسِه.
وَ الفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ:أَنََّ الذَّميمَةَ هِيَ:أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِسُوءِ الأخلآق وَخَوارِمِ المُرُوءَةِ،أمَّا النَّاقِصَةُ؛فَهِيَ أَمْرٌ
يَتَعَلَّقُ بِالعيبِ الخُلُقيِّ ، أَو بِسُوءِ الإِتْقآنِ .
وَقدْ يَكُونُ أَصلُ الاضطرابِ مِنَ الصِّفةِ الحَميدةِ أَو الكآملَةِ،كأنْ يَشعُر بِالفَرَحِ عِنْدَ وَصفِه بِالذكآء أَو الكَرمِ
أَو التَّوآضُعِ...-و غيرُها من صِفاتِ الكمَال- ،فَيَكْتمـَهُ؛خَشْيةَ أن يَصِفهُ النَّآس بِالعُجْبِ أَو الغرور.
وقد يَستحِي المرءُ لِحياءِ غيرهِ.
وَ الحيآءُ مِنَ الأعمآلِ القَلبيَّةِ الَّتي يَصْعُبُ علَى النَّاظِرِ إدرآكُها؛ سَواءً عَلى نفْسِهِ أَو على غَيْرِهِ.
***
الحيآء في الكِتآبِ و السُّنَّةِ:-
وَردَ الحياءُ في الكتابِ و السُّنَّةِ الصَّحِيحةِ وهذا يدلُ على فَضلِهِ والحثِّ عليهِ، و أَنَّهُ مِنَ خِصالِ الأنْبِيَاءِ-عَليِهمُ الصًّلاةُ و السَّلام-
وَ لَمْ يُؤْتِهِمُ اللهُ إلاَّ الخِصَالِ الحَمِيدَةِ، وَ مَكَآرِمَ الأخلاَق.
فـ/مِن الكتآبِ الكَريمِ:
قَوْلُهُ-تَعَالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ
غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ
إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]
وَمِنَ السُّنَّةِ:
* عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ-رضي اللهُ عنهُ- ، عَنِ النَّبيِّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَ سلَّم-، قَـآلَ: "الإيمَانُ بِضعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَ الحياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَآنِ"[روآهُ البُخآريُّ، ومُسلِم].
*عَن أَنَسِ بن مَالِك-رضي اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ النَّبيِّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَ سلَّم-: "مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شيءٍ إلاَّ شآنَهُ، وَ مَا كاَنَ الحيَاءُ فِي شَيءٍ إلاَّ زآنَهُ" [رواهُ التِّرمذي،و ابن ماجه،صححه الألبآنيُّ].
*عَن عُقْبَةَ بْنِ عَمرو-رضي الله عنه- ،قَالَ: قَالَ النَّبيِّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَ سلَّم-:"إنَّ مِمَا أَدْرَك النَّاسُ مِنْ كَلامِ النبوَّةِ :إذا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ ماشِئتَ" [رواه البخاريُّ].
*عَن ابن عبَّاس-رضي اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ النَّبيِّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَ سلَّم-: "إنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقَاً ، و إنَّ خُلُقَ الإسلاَمِ الحَيَاء" [رواهُ ابن ماجه،و صحَّحه الألبانيُّ].
***
حيَآءُ الله:-
قال ابنُ القيِّمِ في "مَدارِج السَّآلكين" : "فَذاك نَوعٌ آخَرُ لاتُدرِكُهُ الأفْهَامُ، وَلاَ تُكَيِّفُهُ العُقُولُ؛فَإنَّهُ حَيَاءُ كَرَمٍ، وَ برٍّ ، وَ جُودٍ ، وَ جلالٍ".
حياءُ خيرُ البريِّةِ:-
عَن أَبي سَعيدٍ الخُدَريِّ-رضي اللهُ عنهُ- قَالَ: "كَانَ النَّبيُّ -صَلَى اللهُ عليهِ وَ سلَّم- أَشدَّ حيَاءً مِنَ الْعذراءِ فِي خِدْرِها"
حيِآءُ صحبُ رَسولِ الله:-
أبو بكرٍ الصديقْ:قال أ-رضي الله عنه -وهو يخطب الناس: "يَا معشرَ المسلمين اسْتحيوا مِن الله،فَوالذي نَفْسي بيده إنَّي لأظلُّ حينَ أذهبُ إلى الغائطِ في الفضاء ِمُغطيَ رأسي؛ اسْتحياءً مِن ربِّي".
عثمانُ ابن عفّان:رَوت عائشة قصة عجيبة يشهد فيها رسول الله أن الملائكة تستحي من عثمان،
فقد قالت رضي الله عنها كان رسول الله مُضْطجِعاً في بيتي، كِاشفاً عن فخذيه أو ساقيه،
فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال. فتحدّث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك
فيتحدث ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله وسوى ثيابه فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة:
دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله، "أي لم تغير من حالك شيء" ثم دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله،
ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: "ألاَ أسَتحِي مِن رجُلٍ تَسْتحي مِنهُ الملائِكة" [رواه مسلم].
وَ كَان مِن شَدةِ حَيائِه أنَّه كَانَ يَشدُ عليهِ ثيابهُ حتى لا يظهر شيءً منه وَ يغتسِلُ وحدهُ فلا يُقيم صُلبَهُ حياءً من الله.
أبو مُوسى الأشعريّ:-وَرَدَ عنهُ –رضي الله عنه- أنَّهُ قَالَ: "إني لأدخل البيت المظلم أغتسل فيه من الجنابة فأحني فيه ظهري إذا أخذت ثوبي حياءً من ربي"
***
الحياءُ مِن الله وَ الحياءُ مِن النَّاس:-
ـإنَّ/الحَياءَُ لآيكونُ إلاَّ بِطرفينِ:
الأوَّلُ:المُسْتحِي
الثاني:المُسْتحَى مِنه..
*الله-سبحانه و تعالى-
*المُمَيِّز من النَّاس
إذاً فَـ/صِفةُ الحَيَاءِ عِندَ الشخصِ نَفسِهِ مُتغيِّرةٌ،تخْتَلِفُ بِحسَبِ المُستحى مَنهُ، وَ بِحسَبِ شِدَّةِ الموقِفِ الواقِعِ عليهِ.
وَ عليهِ:فَلاَ يَلزمُ أّنْ يَكونَ حَياءُ شَخصٍ مِن اللهِ بِقدرش حيَائِهِ مشن النَّاس.
وَ الناسُّ فِي هذا مَرآتِبَ وَ أّصنَافٍ:
الأوَّل:صِنفٌ يَسْتحِي مَن الله ،وَ يسْتحِي مِن النَّاس.
"وَ هُو من أصبَح الحَيآءُ سَجِيَّةً فِيهِ لاَ تُزايلهُ"
الثآنيِ:صِنفٌ يَستحِي مِن الله ، و لاَ يَسْتحي من النَّاس.
"وَ هو من يُزكِّي نفسهُ، وَ يُوهِمُها أنَّه قريب من الرَّحمن،وأنَّ النَّاس لَيْسُوا مِثلهُ فِي قُربِه منه-تعالى-
فَيسُوغُ لِنفسهِ ما لاَ يرضاهُ مِن غيره،ويغلب على هذا الصنف من النَّاس كَثْرةُ العِبادةِ وَ سُوءُ المعآملةِ في آنٍ واحِدٍ"
الثالِث:صِنفٌ لاَ يَسْتحِي مِن الله ، وَ يَسْتحِي مِن النَّاس.
"وَهو على الغالِب :من لاَ يعْبُدُ الله-عزَّ وَ جلَّ- و يُجاهِدُ نفسهُ فِي إرضاءِ النَّاس،وَ يُراقِب عُيُوب العُبَّادِ،
حتَّى يَقْنَعَ بِأنَّه صَالِحٌ،وبِأنَّ العِبادةَ ليست شرطاً لِلصَّلاح،فلا يتقرّب الى الله بِالعباداتِ مع تَوَهُّمِه أنَّه أقرب النَّاس إليه"
الرآبِع:صِنفٌ لاّيَسْتحِي مِن الله، وَ لايَسْتحي مِن النَّاس.
"وَهو مَن قدْ نُزِعَ الحَيآءُ مِن قَلبِهِ، فلا تَرى فَرقاً بَينهُ وَ بين البهآئِم إلاَّ في الخَلْقةِ فَقَطْ"
***
المعآصيِ تُذهِب الحَيآء:-
قال ابن القيم- رحمه الله - :" مِن عُقوباتِ المَعاصي ذَهابُ الحَياءِ الّذي هو ماَدة حَياةُ القلب،
وهو أصل كل خير، و ذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصحيح " الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ".
***
دُررُ السلفِ في الحَيآء:-
* قال عمر -رضي الله عنه-:"من قلَّ حياؤه قل ورعه، و من قلَّ ورعه مات قلبه".
* قال ابن مسعود- رضي الله عنه - : " من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله ".
*قال المُحاسبي : "المُراقبة عِلمُ القلبِ بِقربِ الربّ ، وَ كُلما قَويتْ المَعرِفةُ بِاللهِ قَويَ الحَياءُ مِن قُربِه ِوَ نَظرِهِ".
* قال الحسن البصريّ : "الحياءُ والتكرُّم خصلتان من خصالِ الخيرِ ، لم يكونا في عبدٍ إلا رَفعهُ الله بِهما".
عَبقُ خِتآم
الحَيآء
رِسَآلةٌ أحببتُ أنَّ أُوصِلها لِنفسي وَ لكم
أسألُ الله أن يَستُرني وَ إيآكم بِثَوبِ الحيآء